ضرورة تمييز الأنواع المحلية عن المستوردة بعلامة «صُنع في الإمارات»
مطالب بتنظيم مزاولة المهنة وإنشاء قاعدة بيانات للمنتجين والخلايا والبيئات المناسبة
بين لسعات النحل التي اعتادوا عليها، يواجه النحالون الإماراتيون بعض التحديات، عند مفترق طريق، تتقاطع فيها مسؤولية الحفاظ على مهنة الأجداد مع طموحات تطوير صناعة العسل المحلي وتحويله إلى منتج قادر على المنافسة إقليمياً وعالمياً، فالمهنة التي لطالما ارتبطت بالتراث والبيئة المحلية، تعاني اليوم وجود بعض الدخلاء الذين يروجون لعسل غير جيد أو مجهول المصدر، استغلوا الوضع مع افتقار العاملين في هذا المجال إلى كيان مهني موحد كجمعية رسمية تحتضنهم وتدافع عن مصالحهم.
تخصصات جامعية
قائمة التحديات التي تواجه النحالين تشمل أمراض النحل التي تهدد إنتاجهم، في ظل الحاجة إلى الدراسات البحثية المتخصصة والتخصصات الجامعية في تربية النحل، وضرورة الدعم الفني والمالي والبرامج التدريبية الممنهجة التي يترك غيابها تأثيراً سلبياً على جودة العسل الإماراتي، الذي يمتلك في الأصل إمكانات واعدة إذا ما تم استغلال الموارد الطبيعية المحلية بشكل علمي ومدروس.
وتضاعف المنافسة الشرسة من العسل المستورد، الذي يغزو الأسواق بأسعار منخفضة وجودة متفاوتة من عمق التحديات، في وقت يسعى فيه النحالون الإماراتيون لإثبات وجودهم من خلال رفع جودة منتجاتهم وتوسيع نطاق تسويقها، معلقين آمالهم في تحقيق ذلك لضمان استمرارية ممارسة الأجيال المقبلة للمهنة من جهة، ومنحهم الفرصة ليس فقط لتعزيز الاكتفاء الذاتي، بل لتحويل صناعة العسل إلى رافد اقتصادي مستدام، يتماشى مع توجهات الدولة نحو الأمن الغذائي والاستدامة البيئية من جهة أخرى.
فوائد غذائية
وقال مانع الكعبي المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة نحالي الإمارات: إن العسل الإماراتي يتميز بجودة عالية وتفضله شريحة كبيرة من المستهلكين، لما يتمتع به من فوائد غذائية متعارف عليها عند الجميع، ولكن هناك تخوفاً لدى بعض الناس أو المستهلكين من شراء العسل المحلي، حيث يساورهم الشك في أن العسل «غير أصلي» أو يتبين لديهم أن العسل الذي تم شراؤه «مغشوش» أو مضاف له كميات من السكر أو مواد أخرى، مشيراً إلى أن ذلك الأمر صادفهم في بعض المناطق بالدولة.
وأوضح أن ثقة المستهلكين المتزعزعة في العسل ربما بنيت على مواقف مروا بها أو معلومات مغلوطة ترسخت في أذهانهم، لافتاً أن المشاركة في مهرجانات العسل والفحوص المخبرية التي وفرتها الجهات مجاناً للمستهلكين أسهمت في تغير المفهوم لدى المستهلك، ورممت ثقتهم في النحال الإماراتي ومنتجاته.
قاعدة بيانات
وأشار إلى أن ثقة المستهلك التي اكتسبها النحال الإماراتي لا بد من المحافظة عليها من خلال تطوير صناعة العسل المحلي وتمييزه ودعمه مادياً ومعنوياً، ولا يتم ذلك إلا بتكاتف مختلف الجهات لمعالجة التحديات التي تواجه النحال وصناعة العسل، والتي يأتي في مقدمتها تأسيس جميعة للنحالين ليجتمعوا تحت مظلتها ويناقشوا أفضل الممارسات في تربية النحل وتبادل الخبرات فيما بينهم للارتقاء بجودة العسل، ولتكون هي الممثلة أمام الجهات الرسمية والمشاركات المحلية والدولية، وتسهم في توفير احتياجاتهم ومستلزماتهم وتسعى إلى تسويق منتجاتهم، إلى جانب دورها في توفير قاعدة بيانات تضم النحالين في مختلف الدولة.
وأوضح الكعبي أن عدد النحالين في الدولة وفقاً للتقديرات يتجاوز 1500 نحال منهم قرابة 500 إماراتي، يستوردون نحو 100 ألف خلية سنوياً لتربية النحل، وتقدر مبيعاتهم من العسل بعشرات ملايين الدراهم.
رافد اقتصادي
وقال النحال علي الظنحناني: إن النحالين في الإمارات يمتلكون طموحات كبيرة ويعملون بجد واجتهاد على تطوير إنتاج العسل وتحويله إلى صناعة ورافد اقتصادي كسائر المنتجات الأخرى، ولكن التحديات الحالية تصعّب تحقيق ذلك والتي يأتي في مقدمتها منافسة العسل المستورد وعدم تميز العسل المحلي في منافذ البيع، لافتاً إلى أن وجود كميات من العسل تباع في أسواق الدولة يعتقد البعض أنها منتجة في بيئة الدولة ولكن في حقيقتها يتم جلبها من دول أخرى وبكميات كبيرة، ويتم تعبئتها في الدولة، مطالباً بتشديد الرقابة في منافذ الدخول والتركيز على أن ينسب العسل الذي يباع في الدولة إلى موطن إنتاجه.
وأضاف: إن من ضمن التحديات التي تواجه النحالين كثرة الأمراض التي تصيب النحل مما يؤكد الحاجة إلى المزيد من الدراسات العلمية والأبحاث من قبل الجهات، علاوة على التحديات البيئة الأخرى كالاحتطاب الجائر والتلوث البيئي والمبيدات الحشرية وقلة المراعي الطبيعية ووجود شجرة الداماس التي لها تأثير سلبي على العسل.
ضرورة تنظيم المهنة
وقال فاضل الساعدي: إن من التحديات التي يواجهها النحال الإماراتي مزاولة مهنة النحال من غير المتخصصين فيها، والذين يتسببون بأضرار كبيرة لخلايا النحل وإنتاج كميات من العسل مشكوك في جودتها، الأمر الذي ينعكس على ثقة المستهلك بالعسل المحلي، باعتبار أن بعض المستهلكين لا يمكنهم التميز بين أنواع العسل وحتى جودته، وعند مساورتهم الشك في العسل فإنهم يعزفون عن شرائه أو يتوجهون للعسل المستورد، لافتاً إلى أهمية تنظم المهنة لتوجد بيئة خصبة لممارستها من قبل الدخلاء عليها والترويج لأنواع من العسل في حسابات التواصل الاجتماعي تباع على أنها عسل محلي وهي في الحقيقة مجهولة المصدر وربما تكون مصنعة، لذلك بات من الضروري تسجيل النحالين وإصدار تصاريح مزاولة المهنة.
وأوضح أن المهرجانات المخصصة للعسل والجوائز والمسابقات التي تقام للنحالين أسهمت في ترك بصمة في إنتاج العسل، ولكن مازالت هناك بعض التحديات تتطلب معالجة، والوقوف عليها للنهوض بصناعة العسل الذي يعد من الأغذية الضرورية والأساسية للمستهلكين، والتي باتت تدخل في صناعات عديدة كالأدوية والمكملات الغذائية، مشيراً إلى أن جودة العسل الإماراتي باتت تعرف عالمياً ومؤخراً وحقق الشهد الإماراتي 8 ميداليات ذهبية في مسابقة عالمية نظمت في لندن.
منتجات وطنية
وقال أحمد المزروعي: إن النحال الإماراتي يتمتع بحس المسؤولية تجاه المهنة باعتبارها مهنة الآباء والأجداد، ويعمل على تطويرها والنهوض بها لذلك اتجه العديد من النحالين لدراسة وإنتاج العسل من نباتات البيئة المحلية مثل القرم، الغاف، الزهور البرية، والعشب، الأشخر والاثل والصلف والاستفادة من تنوع المراعي الطبيعية في الإمارات، لافتاً إلى أن هذا التوجه يعكس وعياً بيئياً وحرصاً على تطوير منتجات وطنية ذات جودة عالية وفوائد غذائية متعددة، حيث إن لكل نوع من هذه النباتات خصائص فريدة تميز العسل المستخلص منها، مما يفتح آفاقاً جديدة في عالم النحل المحلي ويعزز من القيمة الاقتصادية والدوائية للعسل الإماراتي، ويسهم في دعم الأمن الغذائي والاعتماد على موارد طبيعية محلية مستدامة.
توصيات ومقترحات
إلى ذلك اقترح النحالون مجموعة من التوصيات والمقترحات لمعالجة التحديات التي تواجه تربية النحل وإنتاج العسل، حيث أكدوا ضرورة تميّز العسل المحلي عن المستورد بعلامة «صُنع في الإمارات»، وبناء قاعدة بيانات للنحالين والخلايا والنباتات الرحيقية والبيئات المناسبة، واستغلال المحميات الطبيعية بشكل مدروس لتربية النحل، والتنسيق مع البلديات وهيئات البيئة لتحديد مواقع مرعى النحل، وتشجيع الجامعات والكليات الزراعية على إجراء دراسات علمية وإبراز القيمة الغذائية والعلاجية للعسل الإماراتي ودراسة الأشجار والنباتات المحلية المفيدة للنحل.
كما طالبوا بتأسيس جمعية تعاونية للنحالين تمثلهم أمام الجهات الرسمية وتدعم احتياجاتهم، وتنظيم ممارسة المهنة، والحد من زراعة شجرة الداماس ومحاربتها لما تسببه من أضرار بيئية، وتنظيم حملات تشجير بالأشجار المحلية المفيدة للنحل مثل: السمر، السدر، الغاف، القرط، وغيرها، وإدراج تخصصات أكاديمية عن النحل والعسل في الجامعات والكليات الزراعية، وفتح أسواق جديدة في أوروبا وآسيا، إلى جانب تنظيم لقاءات دورية مع النحالين لدعم القطاع.