هل انتهى زمن الرومانسية؟!

تقود الحياة خطواتنا لتجارب وقراءات واكتشافات كثيرة ومتعددة، ستشكل في النهاية قناعاتنا ومبادئنا في الحياة، سنستعين بها دائماً، ونستذكرها كجمل وعبارات رنانة نكتبها جملاً واقتباسات في دفاترنا المدرسية، ثم سنوظفها في موضوعات الإنشاء التي كانت مقرراً ثابتاً في دروس اللغة العربية في تلك الأيام التي كان للغة العربية شأن وأهمية في جميع مدارسنا.

نحن ننتمي لجيل لطالما تباهينا بأننا نعرف أشعار المتنبي ونحفظها عن ظهر قلب، كذلك أشعار زهير بن أبي سلمى وامرئ القيس وبشار بن برد، ومسرحيات وعبارات شكسبير، وأفكار طه حسين التقدمية وكتابات المنفلوطي الرومانسية وأشعار نزار المتمردة، وقصائد درويش الثورية، لقد كنا ننظر لتلك الحصيلة المعرفية باعتبارها خلاصة الفكر وقمة التوهج والوعي الذي يمكن أن يصله الفكر الإنساني، كنا مؤمنين بها حد البراءة القصوى!
إن أسوأ ما يمكن أن تقودك إليه الحياة، هو الاصطدام المباغت الذي ترى فيه وتسمع كم أصبح ما حولك نقيضاً لكل تلك القناعات والأفكار، كيف صارت الأنانية وضيق الأفق مبادئ بديلة تروق للكثيرين فيدافعون عنها بحجة الحرية واستقلالية الرأي، وكيف أن الاعتداء على الآخرين والتباهي بكل ما يجرح الذوق والأخلاق يعد نوعاً من حقوق الإنسان المحفوظة قانونياً!

لا يحتمل أحد أن تناقشه في فكرته الخاطئة لأنه حر يقول ما يشاء، ولا يريد أحد أن يسمع نصيحة من أحد كبيراً كان أم حكيماً لأنه يرفض الوصاية والمواعظ، كما لا يريد أن تبادره بمناقشة اعتقاداته لأنه حر إلى درجة أن وصلت البشرية لعبادة الشيطان! فتعود لتتذكر عبارة (أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك) التي قالتها مدام رولان قبل أن تسلم رأسها للمقصلة بعد أن تم تلفيق التهم ضدها في فوضى تبادل التهم زمن الثورة الفرنسية!!

ومثلما أصبحنا أسرى للكثير من الأفكار المثالية، فإن كثيرين اليوم يرددون أفكاراً وشعارات تخفي أسوأ مما يبديه ظاهرها، شعارات حمّالة أوجه، لا بأس في مضامينها الحقيقية، لكن الإشكال الكبير أنها ذات زوايا ومناظير كثيرة تحتاج للكثير من الوعي والبصيرة والتأني قبل ترديدها والاعتصام بها.