كيف نجد هؤلاء البشر؟

كلما هزمتنا الحياة أو كسرتنا الظروف وقسوة البشر، بحثنا عن منفذ أو منقذ يخرجنا مما نحن فيه قبل أن نختنق بحزننا، وفي حياة كل منا بشر يشبهون مخارج الطوارئ أو رجال الإنقاذ، الذين نهرع إليهم ونفكر فيهم مباشرة عند وقوع حدث طارئ أو خطير، ونعلم سلفاً أن هؤلاء الناس مهما كان منا ومهما تباعدنا عنهم لأيام وأحياناً سنوات، إلا أننا حين نأتيهم نجدهم كما هم دائماً وكما نتوقعهم، لا يخذلوننا ولا يديرون وجوههم عنا.

وحتى حين لا نبدو مأزومين أو في حالة ضيق، فإن الجلوس معهم والإنصات إلى أحاديثهم أفضل كثيراً من قضاء الوقت في حلقات الثرثرة الفارغة والنميمة المقيتة، لقد جربت الجلوس مع بعض هؤلاء فوجدت الوقت بصحبتهم أشبه بجلسة استشفاء وسكينة وراحة من الضجيج والصراعات، وكل ما تحتاج إليه من جهد لتلبية متطلبات الآخرين وضغوطاتهم عليك، إنهم لا يكلفونك شيئاً، فهم أشبه بالنسيم لا ثقل له!

وجود هؤلاء في حياتنا، وخاصة في حياة اليوم القلقة، يبدو رحمة ونعمة كبرى، إنهم الطرف الأثير من المعادلة ذات المجاهيل المتعددة، هم ليسوا مجهولين ولا متطلبين ولا أشخاصاً يستلزم فهمنا لهم حلولاً ومجهودات وتفكيراً كبيراً  وعلى عكس أولئك الذين يملأون الحياة بالتذمر والسلبية والتطلب الذي لا مردود له، فإن هؤلاء أرواح خفيفة بسيطة تعرف كيف تعيش الحياة وتجاهدها بما تستحق، دون انتظار أو تذمر أو شروط!

ما زلت أتذكر السيدة (...) المرأة التي شاركتني العمل في مدرسة كنت مديرتها، وكانت هي تعمل بائعة بسيطة في مقصف المدرسة، وفي كل ضحى عندما تأخذ المدرسة راحتها المعتادة من عناء كل شيء، كنت أنا أهرع إليها، لتعد لي فنجان قهوة أتناوله معها في مطبخ المدرسة، ونبدأ موال ضحك وحكايات يغسلني من كل متاعب اليوم، ورغم كل ما كانت ترزح تحت ثقله من مسؤوليات، إلا أنها لم تشتكِ لي يوماً من شيء، وكلما سألتها عن أحوالها، قبّلت يدها وقالت الحمد لله.. رضا يا أستاذة!