سلام القوة أم قوة السلام!

يعيش العالم مرحلة تحول تاريخية، فهل هي أحد مظاهر صراع الحضارات كما تنبأ صامويل هنتنغتون؟، أم نهاية التاريخ كما توقع فرانسيس فوكوياما قبل حوالي عقدين؟، أم لا هذا ولا ذاك؟. نعيش اليوم ومعنا العالم ليس فقط عصر القطب الواحد بل الرجل الواحد.

نسمع شعارات متناقضة في اليوم نفسه.. جمل حمالة أوجه سمتها الغموض. ما يقال من زبدة الكلام في الليل، ما أن تطلع شمس اليوم التالي حتى يذوب وتذوب معه آمال شعوب الأرض بالاستقرار وبحياة يتبادلون فيها الورود بدل الرصاص وبالحدائق بدل المقابر.

عندما نسمع شعار سلام القوة بدل قوة السلام، إما أن توقِع أو تَقع، استسلم تسلم، نتذكر جملة بوش الشهيرة التي تمثل عقلية الهيمنة من هو ليس معنا فهو ضدنا. الرئيس الأمريكي أعلن منذ بداية تسلمه السلطة أنه لا يريد المزيد من الحروب في العالم.

وينتقد بشدة سلفه جو بايدن قائلاً: لو كنت الرئيس لما حدثت حرب أوكرانيا ولا حرب الشرق الأوسط. كما انتقد بوش في حربه على العراق.

لكن الرئيس نفسه يغيّر رأيه ويهاجم المنشآت النووية الإيرانية بقاذفة قنابل بي 52 الاستراتيجية الأكثر رعباً في العالم التي استدعاها من قاعدتها في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي ويقصف أهم ثلاث منشآت نووية إيرانية، ثم يعود ويقرر استئناف المفاوضات مع إيران في أوسلو.

يعلن أنه يريد وقف الحرب على غزة ويبدي تعاطفاً مع الغزيين: أريد أن أرى أهل غزة آمنين فقد عانوا الجحيم، كما جاء حرفياً على لسانه، وفي الوقت نفسه يواصل تزويد نتانياهو بالأسلحة والذخائر التي قتلت وأصابت حتى أكثر من 150 ألف إنسان في غزة.

ولطالما امتدح الرئيس نفسه الرئيس الروسي بوتين وقال إنه يحترمه وأنه يريد إنهاء حرب أوكرانيا، لكنه في الوقت نفسه يسمح لشركات أمريكية بالتوقيع على تزويد الرئيس الأوكراني الذي طرده من البيت الأبيض بمئات آلاف الطائرات المسيرة الهجومية والاعتراضية والانتحارية والاستطلاعية.

وبالمقابل يعلق تزويد كييف بشحنات من الأسلحة لكن هذه الأسلحة سوف تشتريها الدول الأوروبية المؤيدة لأوكرانيا في حربها مع روسيا من واشنطن وتزود بها زيلنسكي.

يعني كما يقول المثل: هذه أذني وهذه أذني! لا أحد يعرف الخطوة التالية للرئيس وأحياناً هو نفسه لا يعرف، قراره في لحظته، وكم من مرة يرد على أسئلة الصحفيين «لا أعرف، لم أتخذ القرار بعد».

ربما يكون الرئيس ترامب صادقاً في رغبته بوقف الحروب في العالم، فهو يبتكر طريقاً ثالثاً في اللعبة الدولية.

نصف حرب ونصف سلام. معادلة الأنصاف هذه لا تنطبق على كل شيء، فليس ثمة نصف إنسان ونصف قنبلة ونصف موت ونصف قبلة. فهل ينجح؟