محمد بن هادي الحسيني
تمثل القمة العالمية للحكومات منصة عالمية رائدة ترسخ مكانة الإمارات دولة سباقة في استشراف المستقبل، من خلال رؤية قيادتها الحكيمة التي جعلت من الابتكار والتخطيط الاستراتيجي نهجاً ثابتاً في العمل الحكومي.
في كل دورة من هذه القمة، يتجدد الحوار حول مستقبل الإدارة الحكومية، والتعاون الدولي، وآليات مواجهة التحديات الاقتصادية، مما يعزز مكانة الإمارات عاصمة لصناعة المستقبل. هذه القمة ليست مجرد تجمع حكومي، بل هي منصة لإعادة تعريف دور الحكومات في عالم متغير، ولمناقشة كيفية تعزيز مرونة الاقتصادات والاستعداد لمستقبل مليء بالتحولات التكنولوجية.
وفي هذا العام، أكدت القمة مجدداً أن استشراف المستقبل لم يعد خياراً، بل ضرورة ملحة في ظل التحديات العالمية المتسارعة؛ فالاقتصاد العالمي يشهد تحولات جذرية، من التغيرات المناخية، إلى التطورات التكنولوجية، وصولاً إلى التحديات المالية التي تفرض إعادة التفكير في السياسات الاقتصادية.
ومن هذا المنطلق، جاءت مشاركة وزارة المالية في القمة بأجندة فاعلة تسعى إلى تعزيز مرونة المالية العامة، ودفع الابتكار في السياسات المالية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يسهم في بناء منظومة اقتصادية متكاملة قادرة على مواجهة الأزمات والتحديات المستقبلية.
لقد عززت جلسات القمة الحوار حول مستقبل الاقتصاد العالمي، حيث شكل «المنتدى التاسع للمالية العامة في الدول العربية» منصة لمناقشة استدامة المالية العامة في عالم يكتنفه عدم اليقين.
كما سلطت الجلسات الضوء على أهمية التعاون متعدد الأطراف، وأهمية تطوير النظم الضريبية لمواكبة التحولات الاقتصادية الكبرى. وفي هذا السياق، برزت الرؤية الإماراتية نموذجاً يُحتذى به في تعزيز الاستقرار المالي والاستدامة الاقتصادية، من خلال سياسات متوازنة تضمن تحفيز النمو دون الإضرار بالاستدامة المالية.
إن التطورات الاقتصادية الراهنة تفرض علينا إعادة صياغة الأدوات والسياسات المالية لتكون أكثر تكيفاً مع المتغيرات. لذلك، فإن وزارة المالية تضع على رأس أولوياتها تعزيز الشراكات الدولية، والاعتماد على الحلول المالية المبتكرة التي تضمن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
ومن خلال القمة، جددنا التزامنا بدعم التحولات الاقتصادية الإيجابية، والتعاون مع الشركاء الدوليين لصياغة سياسات مالية أكثر شمولاً واستدامة. فالتعاون المالي الدولي أصبح ضرورة، لمواجهة التحديات المتنامية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد.
لقد شكلت القمة العالمية للحكومات فرصة ثمينة لمناقشة مستقبل التعاون الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أكدت الجلسات الحوارية أهمية تعزيز التكامل الاقتصادي، والاستفادة من الشراكات الاستراتيجية لتحقيق رؤى التنمية المستدامة. وبما أن الابتكار هو مفتاح بناء اقتصادات المستقبل، فقد أولت القمة تركيزاً خاصاً على استكشاف إمكانات التكنولوجيا المالية في تعزيز الشفافية وتحسين كفاءة الأنظمة المالية.
كما أن الاستدامة المالية كانت أحد المحاور الرئيسية في القمة، حيث جرى التأكيد على أهمية تطوير سياسات مالية تراعي البعد البيئي والاجتماعي، وتضمن التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية.
وتماشياً مع رؤية الإمارات في هذا المجال، تعمل وزارة المالية على دعم المبادرات الخضراء، وتعزيز الاستثمارات المستدامة التي تسهم في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة للأجيال القادمة.
في ختام القمة، يتأكد لنا مجدداً أن العمل الحكومي الفعّال لا يقتصر على التخطيط للغد، بل يستلزم القدرة على التكيف السريع مع التحولات العالمية، ووضع سياسات مالية مرنة تحافظ على الاستقرار وتدعم النمو.
ومن هنا، تواصل وزارة المالية دورها في دعم هذه التوجهات، بالتوازي مع رؤية قيادتنا الرشيدة التي جعلت من الإمارات نموذجاً عالمياً في استشراف المستقبل.
القمة انتهت، لكن العمل مستمر، والرهان على المستقبل لا يتوقف عند حدود النقاش، بل يبدأ من هنا، حيث تتحول الرؤى إلى سياسات، والسياسات إلى إنجازات ملموسة تعزز مسيرة التنمية الاقتصادية لدولة الإمارات والعالم.
مستقبلنا نصنعه بأسس قوية ورؤية واضحة تضع الإنسان في صلب التنمية، وتستشرف الغد بعيون الحاضر.