في ظل التحولات العالمية المُتسارعة، أصبحت الحكومات بحاجة إلى تبنّي الذكاء الاستراتيجي لتعزيز جاهزيتها للمستقبل، وإيجاد بيئة ديناميكية تستجيب بمرونة للتحديات والفرص. في هذا السياق، وقعت حكومة دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2024 اتفاقية شراكة استراتيجية معرفية لتطوير منصة «نحن الإمارات للذكاء الاستراتيجي 2031»، التي تمثل أنموذجاً رقمياً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي، يضم أفضل المصادر المعرفية العالمية، ونخبة من الخبراء المتخصصين في مختلف القطاعات. تستهدف هذه المنصة دعم شبكة صُنّاع السياسات والاستراتيجيات، وقيادات حكومة الإمارات بقاعدة معرفية استراتيجية متخصصة في القطاعات ذات الأولوية التي تشملها محاور رؤية «نحن الإمارات 2031»، والتي تركز على تحقيق ازدهار المجتمع، وبناء اقتصاد جديد، ودعم التعاون الدولي، وترسيخ ريادة الأداء الحكومي.
جدير بالذكر أن رؤية نحن الإمارات 2031 تتكون من 4 محاور رئيسة تشمل كافة القطاعات الحيوية التي تتضمن: المجتمع، والاقتصاد، وعلاقات دولة الإمارات مع مختلف دول العالم، والمنظومة المُمكنة. وبالإمكان توضيح هذه المحاور من خلال النقاط الآتية:
أولاً: المجتمع الأكثر ازدهاراً عالمياً: لتحقيق مجتمع مزدهر ومُستدام، لا بد من تطوير منظومة استباقية تعزز تمكين الأفراد، وذلك عبر توظيف التحول الرقمي لتقديم خدمات ذكية تلبّي احتياجات أفراد المجتمع بكفاءة وفاعلية. إن استخدام الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والتحليلات المتقدمة يتيح للحكومات فهم تطلعات المجتمع، وتوقع التحديات المستقبلية؛ ما يُسهم في تحسين جودة الحياة. على سبيل المثال، من خلال تطوير أنظمة صحية وتعليمية رقمية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، يمكن تقديم رعاية صحية فعالة، وتعليم متطور يواكب مُتطلبات المستقبل. كما أن تبنّي برامج الحماية الاجتماعية الذكية يُسهم في تقديم دعم فعّال للأسر والمجتمعات، ما يعزز الاستقرار الاجتماعي.
ثانياً: المركز العالمي للاقتصاد الجديد: في المجال الاقتصادي، تمثل الاستباقية الرقمية عنصراً رئيساً في بناء اقتصاد قوي ومُستدام، إذ يمكّن الذكاء الاستراتيجي الحكومات من استشراف الفرص الاقتصادية المُستقبلية، ويُعزز القطاعات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي، والتكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية. وبما أن الاستثمار في رأس المال البشري يمثل المحرك الأساس لتحقيق رؤية نحن الإمارات 2031، نجد أن حكومة الإمارات تُتيح منصات رقمية لتطوير المهارات، وتعزيز الابتكار، وتمكين روّاد الأعمال من استثمار الفرص المتاحة في الاقتصاد الرقمي. كما أن التحول نحو سياسات ضريبية ذكية، وبُنية تحتية رقمية متقدمة، وتنظيمات داعمة لريادة الأعمال يخلق بيئة جاذبة للاستثمارات، ويُرسخ مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للاقتصاد الجديد.
ثالثاً: الداعم الأبرز للتعاون الدولي: في ظل التغيُرات العالمية المُتلاحقة، تؤكد رؤية نحن الإمارات 2031 على دورها الجوهري في دعم التعاون الدولي، ما يتطلب نهجاً استباقياً لتعزيز الشراكات الدولية، وتوظيف التكنولوجيا لتحقيق السلام والاستقرار العالمي. من هذا المُنطلق، يؤدي التحول الرقمي دوراً محورياً في تعزيز الدبلوماسية الرقمية، وتطوير حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي، والأمن الغذائي، والأوبئة.
كما أن توظيف تقنيات البلوك تشين في إدارة البيانات الحكومية يُسهم في تعزيز الشفافية، ويُفعّل التعاون مع المنظمات الدولية في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والحوكمة الذكية؛ ما يعزز من مكانة الإمارات كدولة مؤثرة في المشهد العالمي.
رابعاً: المنظومة الأكثر ريادة وتفوقاً: بالنسبة للحكومات الطامحة إلى الريادة، فإن بناء منظومة حكومية استباقية يمثل حجر الأساس لتحقيق التفوق المؤسسي على مستوى العالم. في هذا الشأن، يساعد الذكاء الاستراتيجي في تطوير أفضل النماذج المؤسسية المرنة، مع تحسين كفاءة الخدمات الحكومية، إلى جانب الاستفادة من تقنيات الجيل القادم مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والميتافيرس في تقديم خدمات حكومية رقمية تفوق توقعات المتعاملين. كما أن تعزيز الأمن السيبراني، وإدارة البيانات بكفاءة، وتطوير بنية تحتية رقمية متقدمة يضمن استدامة الأداء الحكومي، ويجعل دولة الإمارات أنموذجاً عالمياً في الحوكمة الرقمية، والتطوير المؤسسي المرن.
ختاماً نقول، تمثل «منصة نحن الإمارات للذكاء الاستراتيجي 2031» مبادرة هادفة لدعم تحقيق التوجهات والمستهدفات الوطنية لرؤية «نحن الإمارات 2031»، من خلال تطوير أنموذج جديد للتصميم الاستراتيجي، مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يقوم على توظيف المصادر العالمية المتخصصة، والاستفادة من البيانات والمعلومات التي يقدمها أكثر من 2500 خبير دولي، وأكثر من 450 مصدر عالمي، في بناء الاستراتيجيات الحكومية على أسس علمية وعملية. علماً بأن المنصة تستفيد من المحتوى الثري الذي توفره «منصة الذكاء الاستراتيجي» الخاصة بالمنتدى الاقتصادي العالمي، والتي تغطي مجموعة واسعة من الموضوعات.