صخب التلوث الضوضائي

تنشغل الناس بالتلوث البصري والهوائي والمائي وينسون تلوث العصر.. «الضوضائي». المؤسسة الوطنية للصمم واضطرابات التواصل الأخرى بالولايات المتحدة الأمريكية تنبهنا إلى أنه ما أن تتخطى الأصوات التي تتناهى إلى أسماعنا قوة 85 ديسيبل فإنها تشكل خطراً على الأذن، منها أضرار مؤقتة أو دائمة في حاسة السمع، كإحداث ثقب في طبلة الأذن، أو تدمير الأذن الوسطى أو الإضرار بالخلايا العصبية.

ومع تصاعد التشريعات في جميع مناحي الحياة، لا نجد في الوطن العربي ولا في العالم أجمع تشريعات حازمة تتصدى لكل أذى صوتي يزعج الناس. بعضها مكتوب لكنه غير مفعل على أرض الواقع.

فمن مظاهر الحياة الرغيدة أن ينعم المرء بشوارع ومدن خالية من ضجيج السيارات «الملغمة» والدراجات النارية الصاخبة وكل ما يبدد سكون وجودة المناطق السكنية. ذلك أن التعرض المستمر والمتقطع لمستويات عالية من الأصوات غير المرغوب فيها، قد تؤدي إلى أضرار صحية ونفسية.

صحيح أن كثيراً من بلداننا الخليجية بعيدة عن صخب المدن العالمية والعربية، إلا أن الضجيج قد يأتي من مصادر داخلية غير متوقعة. فقد ثبت أن الإنسان الطبيعي يتحمل الاستماع إلى صوت محدثه ما لم يتجاوز سقف 60 «ديسيبل».

وإذا ما زاد صوته عن ذلك يدخل في مرحلة الإزعاج أو ما يشبه الصراخ. ويعتبر الديسيبل وحدة لقياس الضجيج في أصواتنا، وإلكترونياتنا، وما يصدر عن البيئة المحيطة. فكلما زاد الديسيبل بمقدار 10 تضاعفت معه شدة الصوت.

ويمكن للمرء سماع صوت السكون والاستمتاع به وهي أدنى درجة يمكن سماعها (إذ توازي صفر ديسيبل). بعدها الهمس بدرجة 30 ديسيبل، وطنين محرك الثلاجة 45 ديسيبل، وصوت الغسالة 70 ديسيبل. أما أخطر الأصوات على آذاننا فهي بحسب الترتيب التصاعدي التالي:

ضوضاء المرور القوية ومجفف الشعر (85 إلى 95)، والدراجة النارية (95)، والمثقب الكهربائي drill (100)، والمنشار الكهربائي (110)، وصافرة الإسعاف (120)، ومحرك الطائرة عند إقلاعها (140)، والمفرقعات والأسلحة النارية (165)، والإطلاق الصاروخي (180)، بحسب موسوعة الجزيرة.

إن أصواتنا عبارة عن حركة موجية اهتزازية تنتقل عبر الأثير إلى آذاننا، فتصل إلى الصيوان عبر قناة الأذن في طريقها نحو الطبلة فتهتز كلما لامستها موجات الصوت.

بعدها تنتقل اهتزازات العظيمات الثلاث إلى القوقعة في الأذن الداخلية فنشعر بما نسمع بسبب انتقال الإشارات العصبية إلى ذلك السائل المرتبط بخلايانا العصبية وأدمغتنا.

هنا نفهم أصوات ما نسمع. وهذا ما يجعل عمال المصانع وصيانة الطائرات وغيرهم يرتدون سدادة إذن مطاطية أو سماعة عازلة للصوت حماية لهم.

وبما أن هناك تلوثاً بصرياً وبيئياً فهناك تلوث ضوضائي اجتماعي. فعندما يثرثر أحد الجالسين من دون فائدة ولا متعة يضيفها، فهو يلوث أجواءنا، بل ويصبح ثقيلاً على أنفسنا إذا كان ممن يصرون على إقحام أنفسهم في كل شاردة وواردة.

وهناك تلوث سمعي ينشأ من تحدث الجميع في آن واحد، فيرتفع صخب المكان الفسيح ويضيق بمرتاديه لأن أحداً لم يعد يسمع الآخر.

يقال إن النساء لديهن مهارة فائقة على سماع أكثر من حديث في آن واحد، على اعتبار أن لديهن المقدرة على القيام بشيئين في وقت واحد. فهي ترضع وليدها، وتسمع ما يقوله زوجها، وتتابع حركة الأطفال من حولها.

فالمرأة تتحلى بقدرات فردية تنافس بها معاشر الرجال، ربما لحكمة إلهية تمكنها من أداء أعمالها على أكمل وجه. وربما يضيق بعض الرجال بصخب المجالس النسائية لافتقارهم لمهارات المرأة في التعامل مع الحوار الصاخب.

‏مشكلة الصخب عموماً أنه يشتت أفكار المشاركين، ويفوت معلومات مهمة، ويسطح نقاشات معمقة، ويسفه الأطروحات العقلانية، ويقطع حبل الأفكار.

وكذلك الهمس قد لا يفيد الجميع لأن أحداً قد يعتبره خوفاً أو تردداً وعدم ثقة بالنفس. ولذلك يدرب المحترفين الناس على التحدث بصوت مسموع ومريح للجميع، «فما زاد عن حده انقلب ضده».

الضوضاء صارت تحيط بنا من كل جانب. صرنا بحاجة ماسة إلى تبسيط مفهوم الضوضاء وخطورة كل مصدر صوتي، على غرار ما يكتب لنا من «حقائق التغذية» خلف علب المنتجات الغذائية ليدرك كل فرد خطورة سماعة الأذن على طبلتها، وخطورة التعرض لأصوات صاخبة بشكل مستمر على صحة الأذن. ومن الضوضاء ما يعكر صفو المجالس والمجتمعات.