قال: «اتق زلة اللسان؛ فإن الرجل تعثر قدمه فيقوم من عثرته، ويزل لسانه فيكون فيه هلاكه».
وقال الشاعر:
جراحاتُ السِّنانِ لها التئامُ
ولا يلتئمُ ما جَرَحَ اللسانُ
ويصدق هذا الكلام على شاعر المعلقات طرفة بن العبد. فقد قال خاله المتلمس فيه: «ويل لهذا الفتى من لسانه». وقد صح ظن المتلمس فيه، فقد جنى عليه لسانه فأورده المهالك.
كانت أخت طرفة عند «عبد عمرو» فظلمها، فشكته إليه فهجاه طرفة، بقوله:
ولا خير فيه غير أن له غنىً
وإن له كشحاً إذا قامَ أهضما
وخرج عمرو بن هند يوماً صحبة عمرو بن بشر، فنظر عمرو إلى «عبد» فأبصر كشحه، فقال له: لقد أبصرَ طرفة كشحك حيث يقول:
ولا خير فيه غير أن له غنىً ...
فغضب عبد وقال: لقد قال في الملك أقبح من هذا:
فليت لنا مكان الملك عمرو
رغوثاً، حول قبتنا تخورُ
فأسرها في نفسه، فلما طالت المدة ظن طرفة أنه قد رضي عنهما، فقدما إليه فجعل يريهما المحبة ليأنسا به، فلما طال مقامهما قال لهما: لعلكما اشتقتما إلى أهلكما.
قالا: نعم. فكتب لهما إلى عامله بالبحرين، وفي الطريق علما بفحوى الكتاب: «إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً». فرمى المتلمس صحيفته وتبع طرفة ليثنيه عن قصده فأبى طرفة، فتركه المتلمس.
وانطلق طرفة في طريقه، حتى قدم عامل البحرين، فدفع إليه كتاب عمرو بن هند فقرأه فقال: اهرب من ليلتك هذه فإني قد أمرت بقتلك، فقال والله لا أفعل ذلك أبداً.
فلما أصبح أمر بحبسه وتكرم عن قتله، وكتب إلى عمرو بن هند إني غير قاتل الرجل، فبعث إليه عمرو بن هند رجلاً وأمره بقتل طرفة وقتل ربيعة بن الحارث العبدي. فقضى طرفة ولما يكمل العقد الثالث من عمره، وقد رثته أخته الخرنق بأبيات تقول فيها:
عددنا له ستاً وعشرين حجةً
فلما توفاها استوى سيداً ضخما