هذه واحدة من بدائع القصائد التي يسافر من خلالها القلب إلى مهبط الوحي والنور والجلال في مكة المكرمة، كتبها صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، من خلال شعورٍ متدفّق بالحنين إلى تلك الربوع المباركة في بلد الله الحرام، واستحضارٍ عميق للحظات الجلال الإلهي حين تسجد الروح بكامل خشوعها على بساط العزّ والعظمة.

وتفوز بسجدةٍ في محراب الجلال، حيث يغمر النور تلك الرّوح في تلك اللحظات النادرة في خضمّ الحياة وضجيجها، فجاءت هذه المناجاة على شكل بوحٍ واعترافٍ وتضرّعٍ للإله العالي الشأن الذي تسجد الأرواح باسمه الكبير المتعال، وتنتظر منه نظرة واحدة تسبغ عليه كلّ النِّعم وتكفيه كلّ الهموم والغموم.

حيث يسجد الجسد الفاني للعظيم الباقي ويخلع الملوك أردية العزّ والسلطنة، ويلبسون الثياب البيض التي يستوي فيها كلّ العبيد أمام جلال الخالق العظيم، وترتجف الأيدي من سطوة الحضور الإلهي وصولة الجبروت التي تندكّ أمامها القوة البشرية، ويعود الإنسان مثل الزجاج المكسور لا يقوى على إعادته سوى خالقه الذي سوّاه بيديه ونفخ فيه من روحه، وما ذاك السجود وما هذا الخضوع إلا تعبير عن الشوق العميق الساكن بين الجوانح إلى بيت الله العتيق .

حيث تُردِّدُ الجبال نداء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي أمره ربه أن يؤذّن بالناس للحج، فجاءت الأصوات ملبّيةً من كل فجٍّ عميق، وبين هؤلاء المشتاقين كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي لبّى نداء الحق حين دعاه الداعي لزيارة مكة، فأصغى قلبه لهذا النداء ومشى خلف شوق القلب إلى تلك المنازل الأولى التي شهدت أخذ الميثاق حين أشهد الله تعالى الخلق على أنفسهم في جبل عرفات وقال لهم:

{ألستُ بربّكم قالوا بلى}، ومن تلك اللحظة انعقد ذلك الميثاق العظيم بين الربّ الجليل وعَبيده الذين يتشرّفون بالسجود لجلاله العظيم، ويسعون بوجدانهم الصادق إلى بيته المكرّم ليس لهم إلا أملٌ وحيدٌ، هو أن يتلقّاهم الله تعالى مالك الملك برحمته، وجميلِ صفحه وغفرانه في أقدس مكان على وجه هذه الأرض، حيث تتوهج مصابيح مكة بأنوار الجلال الإلهي، حتّى يُخيّل للناظر أنّ الملائكة قد حفّت المصلّين من جميع الجهات.