هذا ابتهالٌ لطيفُ المبنى عميقُ المعنى من الابتهالات الرمزية التي يُعبِّرُ بها أهل الذوق والمعرفة عن حنين القلب ولوعة الاشتياق، والشعور بنشوة الوصل بعد طول انقطاع، وهو ما كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في سياق تجربته الروحية الثرية التي هي واحدة من تجليات شخصيته الشعرية المبدعة التي بلغت منزلة عالية في مختلف فنون الشعر وموضوعاته، فجاءت هذه القطعة الفنية تعبيراً عن هذا اللون من الشعر الوجداني اللطيف، حيث يمتدح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذا اللون من الشراب الروحي الرائق الذي ترتاح له الروح وتصفو به النفس من خلال دوام ذكر الله الذي يطمئن به القلب، فهذا هو غذاء الروح عند أصحاب الذوق الرفيع، وقد وصف هذه الكأس بأنها مُترعة أي مليئة بشراب الرّوح الذي هو خلاصة الدمع من خشية الله تعالى، ثم يتعجب من رقتها وروقانها، ثم ترتفع نبرة الشعور بروعة الذكر ولذة الشراب الروحاني فتندفع الروح تشدو مثل طائرٍ غِرّيد يتغنى بروعة مذاق هذا الشراب، وذلك من أجل التخفيف من لوعة الاشتياق الذي تعانيه الروح عند انقطاع حظها من شراب الوصل الذي يمنحها لحظة الشعور العميق بمعنى الحياة، لينطلق اللسان بعد امتلاك هذا الشعور الجميل للتسبيح بحمد الله والثناء عليه بالبركة لأنه خالق الأكوان كلها، وملهمها ومُسبغ النعم عليها، فكان من حقه عليها أن تظل موصولة الحبال بربها، وأن يظل اعتقادها هو العروة الوثقى التي هي جوهر التوحيد الذي تعانقه الروح، ولا تشعر بالأمان إلا إذا عاشت حقائقه العالية، وارتشفت من شراب المعرفة العتيق الأصيل.
