منذ استحواذ السير جيم راتكليف على 27.7 % من أسهم مانشستر يونايتد في فبراير 2024، لم يتوقف عن اتخاذ قرارات اقتصادية صارمة تهدف إلى إعادة هيكلة النادي مالياً وإدارياً، في خطوة يرى البعض أنها قد تضع «الشياطين الحمر» على طريق التحول إلى نسخة إنجليزية من أتلتيكو مدريد، النادي الإسباني الملقب بـ «الهنود الحمر» الذي أثبت قدرته على المنافسة برغم الإنفاق المحدود، فهل يسير مانشستر يونايتد نحو نموذج مشابه يعتمد على الانضباط المالي واللاعبين المقاتلين بدلاً من النجوم أصحاب الرواتب الباهظة؟ أم أن هذه السياسة قد تؤدي إلى تراجع النادي الذي اعتاد على التواجد بين كبار أوروبا؟
لطالما كان مانشستر يونايتد رمزاً للإنفاق السخي، حيث أنفق النادي قرابة 1.4 مليار جنيه إسترليني على الصفقات منذ اعتزال سير أليكس فيرغسون عام 2013، دون أن يحقق النجاح المطلوب محلياً أو قارياً، ومع وصول جيم راتكليف، بدأ تنفيذ سياسة مالية صارمة تستهدف خفض الرواتب وتقليل الفجوة بين عقود اللاعبين، بالإضافة إلى التخلص من أصحاب الأجور المرتفعة مثل كاسيميرو وهاري ماغواير، وإعادة النظر في استراتيجية التعاقدات لضمان عدم إنفاق مبالغ ضخمة على أسماء كبيرة دون تحقيق مردود رياضي فعلي.
وبحسب صحيفة «ذا صن» البريطانية، لم تتوقف إجراءات التقشف عند حدود خفض الرواتب والتعاقدات، بل امتدت إلى تقليص المصاريف التشغيلية داخل النادي، وهو ما انعكس حتى على التفاصيل اليومية داخل مركز التدريب، حيث تم تقليص بعض الخدمات اللوجستية، في خطوة تعكس توجه النادي الجديد نحو التحكم الصارم في النفقات، وهذه السياسة تتشابه إلى حد كبير مع نهج أتلتيكو مدريد تحت قيادة دييغو سيميوني، حيث يعتمد النادي الإسباني على إدارة مالية محكمة، والتعاقد مع لاعبين بأسعار معقولة، مع تطويرهم داخل الفريق ليصبحوا قادرين على المنافسة مع كبار القارة، دون الحاجة إلى الإنفاق المبالغ فيه على الصفقات الضخمة.
في مانشستر يونايتد الجديد، لم يعد الأداء وحده المعيار لاستمرار اللاعب، بل أصبح الراتب من أبرز العوامل المؤثرة في مصير النجوم، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو البرازيلي كاسيميرو، الذي يتقاضى 350 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، وهو مبلغ لم يعد متاحاً في سياسة يونايتد الجديدة، ما يجعل بيعه مسألة وقت، والأمر ذاته ينطبق على هاري ماغواير، الذي يتقاضى 190 ألف جنيه أسبوعياً، حيث تسعى الإدارة إلى استثمار هذه الأموال في لاعبين شباب برواتب أقل، ما يعزز فكرة أن مانشستر يونايتد يتحول إلى نموذج «الإنفاق المحسوب» بدلاً من سياسة العقود الضخمة التي كانت جزءاً من هويته لسنوات.
وفي إطار سياسة الترشيد المالي، اكتفى مانشستر يونايتد خلال ميركاتو شتاء 2025 بإبرام صفقة وحيدة، حيث تعاقد مع باتريك دورغو من ليتشي الإيطالي، وهو لاعب يبلغ من العمر 20 عاماً، في خطوة تعكس توجه النادي نحو الاستثمار في المواهب الصاعدة بدلاً من الصفقات الضخمة، وفي المقابل، شهدت فترة الانتقالات رحيل ستة لاعبين على سبيل الإعارة، هم أنتوني إلى ريال بيتيس، وإثان ويتلي إلى والسول، ودانييل جوري إلى روثرهام، وتيريل مالاسيا إلى أيندهوفن، ولويس جاكسون وسام مازر إلى ترانمير روفرز، هذه التحركات تؤكد أن النادي يركز على تخفيف فاتورة الأجور وإعادة توزيع اللاعبين، بدلاً من الاحتفاظ بأسماء لا تتناسب مع النهج الجديد.
التقشف يمتد إلى الطعام
لم تقتصر التخفيضات على عقود اللاعبين، بل امتدت إلى جوانب أخرى، مثل تقليص المصاريف التشغيلية للنادي، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك كان نقل مباريات الفئات السنية إلى ملاعب أصغر، كما حدث في مباراة ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي للشباب، حيث انتقل اللقاء من أولد ترافورد إلى ملعب لي سبورتس فيلدج لتوفير 8 آلاف جنيه إسترليني، وهذه الخطوة تعكس توجهاً مشابهاً لما يفعله أتلتيكو مدريد، الذي يتجنب إقامة المباريات غير الجماهيرية على ملعب واندا ميتروبوليتانو حفاظاً على العوائد الاقتصادية، ولم يتوقف التقشف عند هذا الحد، بل امتد إلى المطعم الخاص بمركز كارينغتون التدريبي، حيث كشفت صحيفة «ذا صن» البريطانية أن إدارة النادي قررت تقليل التكاليف من خلال خفض وجبات الحساء والساندويتشات المقدمة لجميع فرق النادي، باستثناء لاعبي الفريق الأول، وهو ما أثار استياء العديد من المدربين والمحللين، الذين اعتادوا على هذه الخدمات لسنوات، وتعكس هذه الإجراءات مدى التغيير الجذري الذي يحدث داخل مانشستر يونايتد، حيث تسعى الإدارة إلى توفير أكبر قدر ممكن من النفقات، حتى في التفاصيل الصغيرة التي كانت تعتبر في السابق جزءاً من أساسيات النادي.
هل تنجح التجربة؟
برغم التشابه الكبير بين السياسة الجديدة التي ينتهجها مانشستر يونايتد ونهج أتلتيكو مدريد في ضبط الإنفاق وترشيد الرواتب، إلا أن هناك عدة عوامل قد تجعل من الصعب أن ينجح النادي الإنجليزي بنفس طريقة أتلتيكو، وأولى العقبات تكمن في التوقعات الجماهيرية، حيث اعتادت جماهير يونايتد على رؤية فريقها يضم نخبة من أبرز نجوم العالم، ما يجعل من الصعب تقبل تحول النادي إلى مشروع اقتصادي أكثر تحفظاً يعتمد على الميزانيات المحدودة بدلاً من سياسة الإنفاق الضخم التي اعتاد عليها النادي لسنوات، أما على المستوى الإعلامي، فإن الضغوط في الدوري الإنجليزي تختلف تماماً عن نظيرتها في الدوري الإسباني، حيث تشهد الأندية الإنجليزية منافسة مالية شرسة، وسط سوق انتقالات مفتوح تدعمه استثمارات ضخمة، ما قد يجعل سياسة التقشف قصيرة الأمد وغير قابلة للاستمرار لفترة طويلة، خصوصاً إذا انعكست سلباً على نتائج الفريق في البطولات الكبرى.
وفي الوقت الذي يعتمد فيه أتلتيكو مدريد على نهج دفاعي صارم تحت قيادة دييغو سيميوني، يرتبط مانشستر يونايتد بفلسفة هجومية ممتعة منذ أيام سير أليكس فيرغسون، وهو ما قد يجعل محاولة تبني أسلوب مشابه أمراً صعب التطبيق، خاصة في ظل طبيعة المنافسة القوية في البريميرليغ، حيث تتطلب الأندية أسلوباً أكثر مرونة لتحقيق النجاح.