القيمة السوقية.. أندية صغيرة تعيد رسم خريطة المنافسة عالمياً

كومو  الصغير يزاحم الكبار بسياسة مالية ناجحة
كومو الصغير يزاحم الكبار بسياسة مالية ناجحة

في السنوات الأخيرة، تحولت كرة القدم إلى صناعة متكاملة تتحكم فيها الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وبات النجاح يقاس بالقيمة السوقية للاعبين إلى جانب البطولات والألقاب.. وأصبحت التقارير التي تصدرها مواقع الإحصائيات، مثل موقع «ترانسفير ماركت» المتخصص في الأرقام، بمثابة مرآة تعكس قوة المشاريع الرياضية عالمياً، بعدما تحولت إلى أداة تحليلية توازي تقارير الأداء المالي في أسواق الأسهم.

وفي أحدث تقاريره، كشف الموقع عن أكبر القفزات السوقية التي حققتها الأندية العالمية خلال موسم واحد فقط، منذ سبتمبر 2024 وحتى صيف 2025، كاشفاً عن خريطة جديدة توضح من استطاع تعزيز قيمته في سوق اللاعبين، ومن نجح في الجمع بين التطور الفني والمكاسب التجارية.

وتصدر نادي برشلونة الإسباني القائمة بعد أن قفزت قيمته إلى 1.070 مليار يورو، بزيادة بلغت 190 مليوناً، مستفيداً من موسم محلي ناجح أعاد إليه التوازن الفني بقيادة هانز فليك.. وعلى الرغم من السقوط القاري أمام إنتر ميلان في نصف نهائي دوري الأبطال، إلا أن الأرقام أكدت صعود المشروع الكتالوني بثبات.

وجاء في المركز الثاني باريس سان جيرمان، الذي حقق إنجازاً تاريخياً بحصد أربعة ألقاب أبرزها دوري أبطال أوروبا، لترتفع قيمته إلى 1.060 مليار يورو بزيادة 176 مليوناً، مستفيداً من كتيبة النجوم التي ضمها خلال السنوات الماضية.. أما سبورتينغ لشبونة البرتغالي، فكان الحدث الأبرز خارج الدوريات الخمسة الكبرى، بعدما رفع قيمته إلى 511 مليون يورو (+118 مليوناً) معتمداً على إنتاج المواهب المحلية والتخطيط الذكي في سوق الانتقالات.

مفاجآت

وتواصلت المفاجآت بصعود آينتراخت فرانكفورت الألماني، الذي بلغت قيمته السوقية 355 مليون يورو، مسجلاً زيادة قدرها 107 ملايين يورو، ليؤكد نجاح سياسة النادي في الجمع بين تطوير المواهب المحلية والاستثمار في صفقات مدروسة عززت من حضوره القاري.. أما كومو الإيطالي، فقد خطف الأضواء بقفزة لافتة وصلت إلى 188 مليون يورو، بزيادة 82 مليوناً خلال موسم واحد فقط، في مسار استثنائي لنادٍ صاعد من الدرجات الأدنى، استطاع من خلال التخطيط السليم والاستثمار الذكي في اللاعبين الشبان أن يفرض نفسه بين الكبار، ويثبت أن صناعة القيمة السوقية لا تحتاج إلى تاريخ طويل بقدر ما تحتاج إلى رؤية واضحة وإدارة تملك الجرأة على اتخاذ القرارات الصحيحة.

وعلى الجانب الآخر، لم تحقق بعض الأندية الكبرى النمو المنتظر في قيمتها السوقية، رغم الميزانيات الضخمة التي أنفقتها على التعاقدات والرواتب، وعلى رأسها تشيلسي الإنجليزي، الذي تجاوزت قيمته السوقية حاجز 1.060 مليار يورو، لكنه اكتفى بزيادة متواضعة بلغت 72 مليوناً فقط خلال الموسم.. ورغم الصفقات البارزة التي أبرمها النادي اللندني، إلا أن غياب الاستقرار الفني وتذبذب النتائج انعكسا سلباً على قيمة لاعبيه، ليطرح هذا الواقع العديد من علامات الاستفهام حول كفاءة السياسات الاستثمارية المعتمدة في النادي، ومدى قدرتها على تحويل الإنفاق الكبير إلى قيمة مضافة حقيقية في سوق اللاعبين، بخلاف ما حدث مع أندية أخرى نجحت في تحقيق توازن بين المصاريف والعوائد.

نموذج مميز

أما جينك البلجيكي، فقدم نموذجاً مميزاً في كيفية بناء القيمة السوقية بعيداً عن الأضواء الإعلامية أو البطولات الكبرى، بعدما قفزت قيمته إلى 145 مليون يورو، مسجلاً زيادة قدرها 68 مليوناً خلال موسم واحد فقط.. ونجح النادي في تحقيق هذا النمو بفضل استراتيجية تعتمد على اكتشاف المواهب مبكراً، وتطويرها داخل بيئة فنية مستقرة، قبل تسويقها عالمياً في صفقات مدروسة تحقق أقصى عائد ممكن، ورغم تواضع ميزانيته مقارنة بكبار أوروبا، وعدم امتلاكه لألقاب قارية كبرى، إلا أن جينك أثبت أن حسن التخطيط والاستثمار في العنصر البشري يمكن أن يضع أي نادٍ على خريطة الأسواق الكروية العالمية، ويحول الإمكانيات المحدودة إلى مشروع ناجح ومستدام.

وهكذا أعادت القيمة السوقية رسم خريطة القوة في كرة القدم، لتؤكد أن النجاح في هذا العصر يعتمد على مزيج من الأداء الرياضي، والسياسة الاستثمارية الذكية، والاستقرار الإداري، في سباق عالمي مفتوح لا يعترف بالأسماء وحدها.