في كل عام، يحتفل العالم بعيد الأم، تلك الإنسانة التي لا تعرف حدوداً للعطاء، والتي تصبح الحصن الأول في حياة كل فرد، تمنح بلا مقابل، وتضحي دون انتظار شكر، في الرياضة، كما في الحياة، لا يختلف الأمر كثيراً، فالأمهات البطلات يخضن سباقات لا تنتهي، ليس فقط على منصات التتويج، ولكن في ميادين الحياة، بين مسؤوليات الأسرة وشغف الإنجاز.
في عالم الرياضة، حيث المنافسة شديدة والتحديات لا تتوقف، تقف بعض الأمهات كرموز للقوة والتفاني، ينجحن في تحقيق المعادلة الصعبة، بين الإنجاز الرياضي والاحتفاظ بروح الأمومة الدافئة. عائشة المهيري وسهام الرشيدي، بطلتان من أصحاب الهمم، لم تكن التحديات بالنسبة لهما عائقاً، بل حافزاً للمزيد من النجاح.
بين الأرقام القياسية والميداليات الذهبية، هناك قصص لا تُحكى كثيراً، قصص التضحيات الصامتة، وقوة الإرادة التي لا تنكسر، عائشة المهيري وسهام الرشيدي لم تكونا مجرد بطلتين في الرياضة، بل كانتا نموذجين للأم التي تتحدى كل شيء من أجل تحقيق ذاتها، دون أن تتخلى عن دورها الأسري.
عيد الأم ليس فقط احتفالاً بيوم واحد، بل هو تكريم لمسيرة حياة، للأمهات اللاتي يواصلن الركض في سباق الحياة، دون أن يتركن خلفهن حباً أو حلماً أو نجاحاً، فكل أم هي بطلة بطريقتها الخاصة، حتى وإن لم تقف يوماً على منصة تتويج.
في منزل دافئ تسوده المحبة، تعيش عائشة المهيري مع أبنائها الخمسة، أربع بنات وولد، حيث تحرص على أن يكون التفاهم والاحترام أساس علاقتها بأسرتها، رغم مسؤولياتها كأم، لم تتخلَّ يوماً عن حلمها الرياضي، الذي بدأ عام 2015، عندما دخلت عالم رياضة البوتشيا، ثم انتقلت إلى الرماية عام 2019، حتى أصبحت بطلة أولمبية في 2020، ورفعت علم الإمارات عالياً في المحافل الدولية.
لم يكن الطريق سهلاً، فقد واجهت عائشة تحديات كثيرة، كان أصعبها فترات الغياب الطويلة بسبب المعسكرات والبطولات، لكن كان هناك دعم لا يتزعزع في حياتها، والدتها، التي لعبت دوراً كبيراً في سد الفراغ الذي يتركه غيابها، لتمنحها الثقة بأن أبناءها في أيدٍ أمينة، عائشة تؤمن أن سر النجاح، هو رضا الأم ورضا الله تعالى، فمن والدتها استمدت القوة، ومنها تعلمت أن التوازن بين الرياضة والأسرة ممكن، إذا وُجد الدعم والتخطيط الجيد.
وبمناسبة عيد الأم، وجهت عائشة رسالتها لكل أم تسعى لتحقيق النجاح: «الأم هي عمود وأساس العائلة، والأم الناجحة خلفها أم ناجحة أيضاً، لذا، على كل أم أن تضع هدفاً لحياتها، وتسعى لتحقيقه بتوازن، فالتوفيق يأتي مع التخطيط الجيد والإصرار».
شغف وحياة
والرياضة ليست مجرد هواية، بالنسبة لسهام الرشيدي، بل شغف وحياة، لكن في الوقت نفسه، كانت تدرك أن دورها كأم لا يقل أهمية عن إنجازاتها الرياضية، علاقتها بابنها عبد الله، تتجاوز علاقة الأم بابنها، فهي تعتبره صديقاً وشريكاً في رحلتها، تدعمه وتوجهه، وتحرص على أن يكون جزءاً من حياتها الرياضية، دون أن يتأثر دورها كأم.
لكن التحدي الأكبر في رحلتها كان في أولمبياد لندن 2012، حينما كان عليها المغادرة لفترة طويلة، بسبب المعسكرات والبطولة، وكان قلبها يرفض فكرة ترك عبدالله بمفرده، فبحثت عن حل، وبفضل دعم نادي أصحاب الهمم، استطاعت اصطحابه معها، ليكون قريباً منها خلال البطولة، لم تكن مجرد لحظة عابرة، بل كانت تجربة غيّرت نظرتها للأمومة والرياضة معاً، وأكدت لها أن التوفيق بين الاثنين ليس مستحيلاً.
أما رسالتها لكل أم في يومها العالمي، فأكدت أن الصعوبات ما هي إلا تحديات نصنعها بأنفسنا، وتقول: «نحن الأمهات قويات، ونستطيع تغيير المستقبل بتنظيم أوقاتنا واجتهادنا، لا يوجد شيء اسمه مستحيل، فبالإرادة والعزيمة والصبر، يمكننا تحقيق كل الأهداف التي نطمح إليها».